الصفحة الرئيسية » Uncategorized » تلخيص رسالة ماجستير بعنوان: الأمن الإنساني، مدخل جديد في الدراسات الأمنية

تلخيص رسالة ماجستير بعنوان: الأمن الإنساني، مدخل جديد في الدراسات الأمنية

رسالة ماجستير مجازة من جامعة الجزائر (عام 2004)

عرض: سعيد طه

لا تزال المعضلة الأمنية تشغل بال الباحثين في مجال الدراسات الأمنية والاستراتيجية في حقل العلاقات الدولية، وكذا الأفراد والدول. فالجميع لا يزال يبحث – على المستويين النظري والعملي – عن الطريقة المثلى التي تضمن الأمن والاستقرار في ظل ما يشهده العالم من انتشار للعديد من الظواهر الأمنية التي خرجت عن نطاق سيطرة الدول. فقد فرضت التحولات الدولية في عالم ما بعد الحرب الباردة تهديدات جديدة اتسعت معها رقعة الظاهرة الأمنية التي عبرت الحدود القومية، وأضعفت قدرة الدول على التعامل معها، فلم تعد التهديدات الأمنية ذات طبيعة خارجية بل أصبحت الدول تواجه تهديدات داخلية أكثر من التهديدات الخارجية بسبب العولمة وتداعياتها السلبية. وقد فرضت هذه التحولات الجديدة إعادة النظر في مفهوم “الأمن”، نتيجة لتزايد نطاق التهديدات التي شكلت خطراً على حياة الأفراد والسكان مثل الحروب الأهلية، والفقر، والبطالة، والمرض، والانتكاهات اليومية لحقوق الفرد الذي لم يعد آمناً حتى في دولته. ففي عالم العولمة أصبح الأمن يعني أكثر فأكثر ليس ضمان استقرار مؤسسات الدولة بقدر ما هو المحافظة على التجانس المجتمعي للدولة وضمان أمن مواطنيها باعتبارهم المتأثرين الأوائل بالانعكاسات السلبية للعولمة.

وإذا كان المفهوم التقليدي للأمن اتخذ من “الدولة” كمرجعية له في وضع المقاربات الأمنية، فإنّ هذه التحديات الأمنية الجديدة أحدثت تحولاً في المضامين والمفاهيم. فقد تجلى للباحثين في الدراسات الأمنية قصور المقاربات الأمنية القائمة على “الدولة” كمرجعية للدراسات الأمنية، وبذلك سعو إلى بناء مقاربة جديدة للأمن تتخذ من الفرد وحدة للتحليل عوضاً عن الدولة. وعليه أدت هذه النظرة الجديدة للمعضلة الأمنية إلى إعادة النظر في مفهوم “الأمن”، وأصبح ينظر إلى الأمن كمفهوم واسع يمس ويتأثر بكافة القطاعات العسكرية منها والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. ومن هنا حدث تجاوز للمفهوم التقليدي للأمن، وبدأ الحديث خلال العقود الأخيرة عن مقاربة جديدة للأمن، وهي مقاربة “الأمن الإنساني” الذي يهدف إلى تحقيق فعال لأمن الفرد، والدولة، والأمن والسلم الدوليين.

سعت الباحثة “فريدة حموم” في دراستها المتميزة والموسومة “الأمن الإنساني: مدخل جديد في الدراسات الأمنية” إلى تسليط الضوء على هذه المقاربة الجديدة للأمن، ومعالجة كيف يمكن اعتماداً على هذه المقاربة الإنسانية الوصول إلى تحقيق “الأمن العالمي” أو الأمن بمفهومه الواسع، والذي عجزت المقاربات التقليدية للأمن الوصول إليه. وسعت الباحثة إلى توظيف مجموعة من المناهج والأطر النظرية لتفسير المقاربة الأمنية الإنسانية، تمثلت أولاها في “النظرية العالمية” التي تؤكد على شمولية مفهوم الأمن، وتوظيف المنهجين القانوني والمؤسسي لمعرفة مدى تطابق الفعل مع القاعدة القانونية ومعرفة كيفية عمل المؤسسات وعلاقتها بالمحيط وبعناصر النظام السياسي. ولاحتواء كافة أبعاد الموضوع عُرضت الدراسة في أربعة أجزاء، شملت فصل تمهيدي تناول  الإطار النظري لمفهوم الأمن، بينما تناول الفصل الأول التطور الذي طرأ على مفهوم الأمن والظروف المؤدية لتطور الأمن الإنساني وماهيته وخصائصه ومستوياته والعوامل المهددة له. وفي الفصل الثاني عرضت الباحثة العلاقة بين الأمن الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وآلية معالجة الأمن الإنساني لمسائل حقوق الإنسان. وتناول الفصل الأخير العلاقة بين الأمن الإنساني والقانون الدولي الإنساني، والجديد الذي يحمله الأمن الإنساني تجاه القضايا الإنسانية.

أولا: الحديث عن مقاربة جديدة للأمن

التطور الحاصل في مفهوم الأمن

تعد المعضلة الأمنية أحد الظواهر السياسية التي تخضع لقانون التغير والتفاعل المتبادل مع غيرها من الظواهر. ورغم كثرة الدراسات التي عالجت الظاهرة، لا يزال مفهوم الأمن يثير اهتمام الباحثين في المسائل الأمنية، ولا يزال الخلاف مستمراً بشأن المرجعية ووحدة التحليل التي تنطلق منها المقاربات الأمنية، على الرغم من الإجماع حول أهمية وضروة الاهتمام بالمسألة الأمنية بشكل عام. وتحديداً فإنه حينما نبحث في المعضلة الأمنية نجد أنّ هناك أربعة إشكاليات؛ أولها طبيعة اللاأمن التي يمكن أن نعرف من خلالها مصدر التهديد وبالتالي العمل على احتواءه، وثانيها المرجعية المعتمدة للتحليل (هل هي الدولة أم الفرد أم المجتمع)، وثالثها مسؤولية ضمان الأمن والمقصود بها الجهة المسئولة عن السياسات الأمنية، ورابعها وسائل ضمان الأمن وهي الآليات التي توضع لاحتواء التهديد. وتبعا لهذه الإشكاليات فإنّ النقاشات النظرية في العلاقات الدولية منذ الثمانينات تركزت في ثلاث مداخل أو مقاربات فكرية؛ المقاربة الأولى وهي المقاربة التقليدية للأمن، والمقاربة الثانية – كانت توسيع للمقاربة لأولى – وهي مقاربة التوسيع في مفهوم الأمن، والمقاربة الأخيرة وهي مقاربة التيار النقدي. فالمقاربة الأولى اهتمت بالمفهوم التقليدي للأمن، وانحصرت أفكارها في تيار المدرسة الواقعية في العلاقات الدولية، وحصرت هذه المقاربة تفسير مفهوم الأمن في  الأمن القومي والقوة العسكرية، أي بمعني أنّها فسرت الأمن على أنه مسألة تخص الدولة وأمنها القومي. أما المقاربة الهادفة للتوسيع في مفهوم الأمن فظهرت في فترة من الثمانينات والتسعينات من خلال أطروحات المدرسة الواقعية الجديدة، بهدف إعادة النظر في حصر الأمن في الإطار العسكري ، وأكدت على ضرورة توسيعه وتعميقه، وما ميزها أنها قامت بتوسيع قائمة التهديدات إلى اﻟﻤﺠالات غير العسكرية للدولة من وحدات غير الدولة، إلا أن تفسيرها للأمن ظل – على غرار المقاربة التقليدية – في الدولة وأمنها القومي الموسع. وفي المقابل فإن مقاربة النظرية النقدية طورت مفهوم الأمن، واقترحت أن يكون موضوع الأمن في الفرد والجماعة وليس الدولة، مشكلة بذلك قطيعة تصورية مع المفهوم الواقعي للأمن، وبالتالي حدث تحول هام في المفهوم، إذ أصبح الأمن يفسر بأنه ليس ذلك الخطر المباشر للدولة بل ما يشكله من إعاقة لتحرير الفرد، والجماعة، والدولة.

ظروف بروز مفهوم الأمن الإنساني

تشير الباحثة إلى أنّ بروز التصور الداعي لإعادة صياغة محتوى جديد لمفهوم الأمن خارج إطار الدولة كمرجعية أساسية وحيدة برز نتيجة لعاملين، الأول هو ﻧﻬاية الحرب الباردة من جهة، والثاني تمثل في إنعكاسات ظاهرة العولمة. وتفسر ذلك بأن العامل الأول – الحرب الباردة – أثر على التحول في مفهوم الأمن بسبب التحول في طبيعة التهديدات التي لم تعد توجه مباشرة ضد المصالح الحيوية للدولة. الأمر الآخر هو أنّ هذه التهديدات أخذت صوراً جديدة، فالنزاعات والحروب على سبيل المثال تحولت أشكالها من نزاعات بين الدول إلى حروب ونزاعات داخلية، والملاحظ أنها ساهمت في ضعف قدرة الدولة على وضع حد لها. والأثر التي أحدثته تمثل في ما نتج عنها  من حالات البؤس، والاغتصاب، والسرقة، وفقدان الحرية،  والأمن، والهجرة .. الخ. أما العولمة فإنها وفي موازاة ذلك – رغم ما حملته من إيجابيات – تداخلت مع ﻧﻬاية الحرب الباردة للدفع بإعادة النظر في مفهوم الأمن؛ فعلى الرغم من أنّ العولمة سامهت في تقريب المسافات بين الشعوب والأفراد، إلا أنها في المقابل خلفت تأثيرات عكسية لعلّ أهمها تمثل في اختراق حدود الدول وخرق سيادتها بسبب حركة الأشخاص والمواطنين، وعمليات الاعتماد المتبادل بين الدول والمجتمعات، حيث ازالت الصورة والفواصل بين الحدود الداخلية والدولية. ورغم ما قيل عن تقريبها للمسافات إلا أنها ساهمت في فقدان الحكومات لسيطرﺗﻬا، ونقلت منها اتخاذ القرار  إلى الأسواق والشركات المتعددة الجنسيات مؤدية إلى إحداث التحول في مفهومي الحدود والسيادة. كما أنها أذكت الحروب الأهلية لأنها سهلت من تزايد مطالب الهوية والمطالب الانفصالية، مثل حروب الاثنيات والأقليات في دول العالم الثالث. وبالتالي فإنّ الحرب الباردة والعولمة ساهمتا معا في زيادة نطاق التهديدات الأمنية، وفي وسائل مواجهة هذه  التهديدات وهو ما أدى في نهاية الأمر إلى التوسع في نطاق الظواهر الأمنية التي لم تعد مرتبطة بالدولة، بل بأمنها واستقرارها الداخلي وتماسك بينتها اﻟﻤجتمعية وأمن مواطنيها. من هنا فرض هذا الواقع الجديد ضرورة إعادة صياغة شاملة لمفهوم الأمن، والتأكيد على أهمية الفرد كمرجعية وكموضوع للدراسات الأمنية، وعليه دخل “الفرد الإنساني” في محور اهتمام الدراسات الأمنية، وهو ما توج بظهور مفهوم “الأمن الإنساني”.

ثانيا: ماهية الأمن الإنساني

مفهوم الأمن الإنساني

فرض واقع ما بعد الحرب الباردة، والتأثير الكبير للعولمة، ضرورة إعادة التأكيد على أهمية الفرد الإنساني في الدراسات الأمنية، ومن ثم الاهتمام بدراسة “الأمن الإنساني”. والملاحظ في هذا المصطلح الجديد هو كثرة التعريفات التي تناولته سواء من الباحثين في الدراسات الأمنية أو مراكز الأبحاث أو الدول والمنظمات الدولية. والملاحظ كذلك أنّ التعريفات التي تناولت المصطلح اختلفت في تعريفها للمفهوم، إلا أنّ غالبيتها أكدت على أن الأمن الإنساني يهتم بحماية الفرد من كافة التهديدات التي تمس حياته، وحقوقه، وتنميته، وتحريره من القيود التي تشكل خطرا على حياته في كافة الأوقات، مهما كانت هذه التهديدات جسمانية أو أخلاقية، ولابد على الجميع سواء كانوا أفرادًا مثله أو مؤسسات ضمان أمن الفرد الإنساني. وبالتالي يمكن أن ننظر إلى مفهوم “الأمن الإنساني” على أنه الأمن الذي ينطلق من الفرد، وهو يركز أكثر فأكثر على الحاجات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للفرد، ويؤكد على أن يكون الإنسان بمأمن من الحرمان الاقتصادي والتمتع بنوعية حياة مقبولة، وضمان الأداء للحقوق الإنسانية الأساسية. فهو إذا مفهوم يضع الإنسان في قلب السياسات الأمنية، كما أنه لا يحصر الأمن في نطاق الدولة، بل يوسعه إلى المستوى العالمي، ويدعو مختلف الفواعل على الساحة العالمية إلى التعاون. وعليه نخلص مما سبق إلى أن هناك بعدا أخلاقيا يحمله مفهوم الأمن الإنساني، كونه لا يركز على المصلحة، بل على تأمين حاجات الفرد الإنساني مهما كانت.

أبعاد الأمن الإنساني

تشير الباحثة إلى أن الأمن الإنساني يرتكز على متغيرين أو ركيزتين وهما: عولمة الأمن وأنسنة الأمن. فعولمة الأمن تعني الحديث عن مسألتين مترابطتين، المسألة الأولى هي عالمية التهديدات، والمسألة الثانية هي عالمية وضع الحلول. وبعبارة اخرى فإن الأمن يعتبر عنصر شامل، ومسئولية الحفاظ عليه لا تقتصر على  الدولة وحدها لمواجهة التهديدات التي تمس مواطنيها وباستقرارها، بل إن الأمن أصبح مسؤولية العالم بأكمله بما فيه الدول، والمنظمات الحكومية أو غير الحكومية، والشركات المتعددة الجنسيات، ومؤسسات المجتمع المدني وحتى الأفراد. أما عالمية وضع الحلول فتنقلنا إلى حقيقة هامة وهي أن الأمن الإنساني نقل الإطار العام للأمن من الأمن الجماعي إلى رؤية جديدة أقرب إلى المسؤولية الجماعية للمجموعة الدولية، وهنا نتفق مع الباحثة في تبرير عالمية الحلول الأمنية، ذلك لأن القضايا التي تأخذ الطابع العالمي لا يمكن حلها إلا من خلال حلول جماعية وشاملة، لأن الواقع الدولي يفرض علينا ضرورة وجود مسئولية جماعية. وحينما نتحدث عن مفهوم جديد للأمن وأكثر شمولية،  لابد من الإشارة إلى أنّ المصادر المهددة للأمن الإنساني بات تتركز في ظواهر عديدة أهما الإجرام المنظم الذي يشكل تحديا أمنيا كبيرا، والذي يتزايد بقوة في العشرية الأخيرة نظرًا لتزايد حركة الأشخاص، والممتلكات. وكذلك الإرهاب الدولي والخطر الذي يمثله عبر زعزعة استقرار الدول المستهدفة، باستغلال نقاط ضعفها وكذا سكاﻧﻬا خاصة بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر. أما الخطر الآخر المهدد للأمن فيتمثل في ظاهرة المخدرات التي باتت تشكل خطرا على الأفراد نظرا لتعدد أبعادها، كما تساهم في الانحطاط الأخلاقي والضعف العام للبنى الاجتماعية، مهددة بذلك التجانس اﻟﻤجتمعي للدولة خاصة في دول القارة الأفريقية  والآسيوية. إضافة إلى ظواهر أخرى مثل ظاهرة  تبييض الأموال التي تمكن من تسهيل عمليات ارتكاب جرائم عديدة منها التجارة بالمخدرات والأسلحة والمتفجرات، وتوسيع دائرة الفساد السياسي والإداري، ونشر الرشوة. وفي هذا السياق، تساهم كذلك ظواهر أخرى في تهديد الأمن مثل الأسلحة التي لا يكمن خطرها في الأسلحة المتطورة فقط كالأسلحة النووية، وإنما كذلك في ظاهرة انتشار الأسلحة التقليدية، كالسلاح الخفيف، والألغام البشرية المهددة لأمن الإنسان. وكذلك خطر الأوبئة التي تفتك بالملايين من الأشخاص في الدول الفقيرة، مهددة بزوال العنصر البشري فيها خاصة مرض الإيدز الذي – بحسب تقرير التنمية البشرية – كان أكثر الأمراض فتكًا، إذ وصل عدد المصابين به إلى حوالي 31  مليون مقابل 23.3  مليون نسمة سنة 1996 أي ما يقارب 16 ألف حالة جديدة يوميا، ويتركز حوالي 90 % منها في الدول النامية. يضاف إلى ذلك الهجرة غير المشروعة، والنمو الدیمغرافي السریع وغير المنتظم خاصة في الدول الفقيرة، وكذلك ظاهرة الفقر الذي يهدد الكثير من سكان الدول النامية. والنزاعات والحروب الأهلية التي أدت إلى تشريد أكثر من  35 مليون لاجئ في العالم. إضافة إلى هذه التهديد نجد خطر التلوث البيئي الذي يهدد الأمن البيئي والأمن الصحي وبقاء الجنس البشري. وكذلك ظاهرة إنتشار السلاح النووي والبيولوجي والكيماوي الذي زاد التسارع إلى امتلاكه خلال العقود الأخيرة، خاصة بعد استعماله من قبل السلطات ضد مواطنيها مثلما حدث ضد الأكراد في العراق خلال فترة التسعينيات. وإذا ما أمعنا النظر في هذه التهديدات فإننا نجد أنها  ليست منفصلة، فهي مرتبطة ومتداخلة فيما بينها بشكل كبير، وبات تأثيرها على الفرد الإنساني يتعاظم كل يوم، بل إنها فرضت على الباحثين التأكيد على أن الأمن لم يعد ذلك الأمن المرتبط بحماية الحدود والمحافظة على القوة العسكرية، بل بات يرتبط أكثر بمصير الأفراد وبمجتماتهم ودولهم. ولتوضيح الصورة فإن الباحثة تشير إلى أن هناك سبع مستويات للأمن الإنساني تشمل الأمن الاقتصادي، والأمن الشخصي، والأمن البيئي، والأمن السياسي، والأمن الغذائي، والأمن الصحي، والأمن الجماعي. وهي في محصلتها مرتبطة بأمن الفرد، وأمن دولته، أي بمعنى أنها ترتبط ارتباطا وثيقا بالدولة والفرد. وهذا الإشكال خلق جدالا كبيراً بين الباحثين، إذ تشير الباحثة إلى أنّ الأمن الإنساني خلق جدالا كبيرا بشأن علاقته بأمن الدولة، بمعنى هل نتجاوز الدولة لتحقيق الأمن الإنساني، أم هل نبقي على الدولة ونعمل على تقويها لتحقيق الأمن الإنساني، أم أنّ كلا الأمنيين مترابطان ويقويان بعضهما البعض؟ إلا أن الباحثة ترى “أن الأمن الإنساني وإن كان يقوي الفرد حتى أمام دولته، فهو لا ينفي أهمية الدولة وضرورة تقويتها، كون ذلك قد يقوي من أمن الفرد نفسه، لأن الدولة هي حامية حقوق الإنسان، والقضاء عليها يولد النزاعات، وتقوية الفرد بضمان أمنه الإنساني بعد تقوية للدولة ذاﺗﻬا، لذا لا يمكن الفصل بين الأمنين”. وإجمالاً فإن مفهوم “الأمن الإنساني” على الرغم من أنه يرتكز على الفرد، فهو لا يقصي الدولة تماما، بل إن الأمن الإنساني نفسه يعد تكملة ضرورية لأمن الدولة، وأن هذه الأخيرة لابد أن تعمل على تحقيق شروط الأمن الإنساني، لتصبح بذلك الدولة وسيلة لخدمة شعوﺑﻬا، وليست غاية في حد ذاﺗﻬا، لأن وظيفتها الأولى هي ضمان الأمن للأفراد و ليس الاستبداد ﺑهم .

ثالثا: الأمن الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان

القانون الدولي لحقوق الإنسان: الأسس والآليات

قد يبدو لنا أنّ هناك عدم وجود خلاف بين مصطلح الأمن الإنساني وحقوق الإنسان، طالما أنّ كليهما يهتمان بالفرد الإنساني وبحقوقه، وأنّ الأمن الإنساني مجرد مرادف لكلمة حقوق الإنسان، وهو ما يعد تكرارا لما يتعلق بحقوق الفرد، إلا أنه وعلى الرغم من التقارب الكبير بين المفهومين، فإنهما لا يتطابقان كلياً، وإلا لما دعت الحاجة إلى وضع مفهوم “الأمن الإنساني”. وهنا نجد أنّ الباحثة سعت لتوضيح هذه الإشكالية عبر توضيح المقصود بحقوق الإنسان، وتميزها عن مفهوم الأمن الإنساني. وقدمت الباحثة تعريفات عديدة لحقوق الإنسان سواء تلك التي قدمها المفكرين في مجال حقوق الإنسان، أو تلك التي قدمتها المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة. وتخلص الباحثة من خلال هذه التعريفات إلى أنّ حقوق الإنسان هي مجموعة القواعد القانونية والعرفية التي تكفل الحقوق البشرية في وقت السلم، وهي مجموعة الحقوق التي وردت فيما يسمى بالشرعية الدولية لحقوق الإنسان، كما أنها تلك الحقوق التي تعني ﺑﻬا وتنظمها القواعد الدولية. وتتمثل هذه القواعد الدولية في القانون الدولي لحقوق الإنسان والذي يستند على المعاهدات الدولية العامة مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 ، والعهد الدولي المرتبط بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عام1966 ، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادر عام1966 . والنقطة الأساسية التي يجب الإشارة إليها هنا أنّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وسع من جملة حقوق الإنسان المتعارف عليها ليجعلها حقا لكل شخص إنساني بغض النظر عن مواطنته، وفرض على الدول حمايتها، وكذلك الحال مع العهدان الدولين الذين نقلا حقوق الإنسان من مجرد التعزيز إلى الحماية الدولية لإلزام الدول الموقعة عليها ضمان احترام الحقوق المنصوص عليها في العهدين. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه برز انتقاد كبير لميكانيزمات والآليات حماية حقوق الإنسا، فعلى سبيل المثال عجوت ميكانيزمات وآليات حماية حقوق الإنسان – من خلال الممارسة – عن فرض سلطاتها على الدول، حيث  نجدها ضعيفة وغير قادرة على فرض احترام الدول لالتزاماﺗﻬا التي تعاقدت عليها، وذلك نتيجة لما يتعلق بمبدأ السيادة ورفض الدول التدخل في شئونها الداخلية؛ فمبدأ السيادة يرفض التدخل أو حتى توجيه انتقادات فيما يخص معاملة النظم السياسية لمواطنيها. لذا نجد أن العهدين الدوليين ولجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة تتابع مسألة حقوق الإنسان من مجرد التقارير التي تأتيها من الدول أو من الشكاوي التي ترفعها إحدى الدول الأطراف ضد طرف آخر، خلافا للمحكمة الأوروبية التي تعتبر الجهة القانونية الوحيدة التي تسمح للأفراد بدفع دعواهم أمامها، وهو ما استدعى لمعالجة هذه الإشكالية عبر مفهوم الأمن الإنساني.

معالجة الأمن الإنساني لمسائل حقوق الإنسان

 أخذ البعض يتحدث عن المقاربة الأمنية الإنسانية كحل للمشاكل المرتبطة بمدى نجاعة ميكانيزمات حقوق الإنسان وعجزها عن توفير الحماية للإنسان. من هذا المنطلق فسرت الباحثة الإشكاليات المتعلقة بحقوق الإنسان، وتشير إلى أن الإشكالية برزت بصدور العهدين الدوليين اللذين خلقا نوعا من الإﺑﻬام والفصل  الذهني بين الحقوق المنصوص عليها في العهدين، مما أدى ذلك ذلك إلى تضارب عملي في تنفيذ الحقوق من خلال الحديث عن أولويات التنفيذ، ويعود ذلك إلى طبيعة الخلاف الأيديولوجي الذي كان سائداً بين دول المنظومة الاشتراكية والرأسمالية أثناء صدور العهدين. فالدول الاشتراكية بالزعامة السوفياتية والمؤسسة على الفكر الاشتراكي كانت تدعوا إلى أولوية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المنضوية في نصوص العهد الثاني، في حين أن الدول الليبرالية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية كانت ترى أن الأولوية تعود للحقوق السياسية والمدنية المنضوية في نصوص العهد الأوّل. وبالرغم من زوال الاتحاد السوفياتي والانفراد الأمريكي بتزعم المنظومة الدولية، فإن الدول النامية لا تزال تعتمد على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية من خلال تركيزها على التنمية ومسألة المساعدات الاقتصادية، في حين ترى الدول المتقدمة أولوية تحقيق الحقوق المدنية والسياسية عبر آليات دمقرطة الأنظمة وآليات الحكم الراشد. أما الإشكالية الأخرى فتمثلت في الجدل الذي أثير حول الفصل بين حقوق الإنسان وإعطاء الأولوية لبعض الحقوق على حساب غيرها، مثل هل يجب إعطاء أولوية لحقوق الإنسان الأساسية مثل الحق في الحياة، والحق في العيش، أم إعطاء الأولوية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ولذا ترى الباحثة أن الأمن الإنساني أجاب على كل هذه الإشكالية حيث أنه ركز على عدم الفصل بين حقوق الإنسان سواء كانت الحقوق الأساسية أم تلك التي تنظمها القوانين؛ فالأمن الإنساني يركز على أمن الفرد من الحاجة والخوف، أي على إلزامية توفير الحقوق الدنيا للفرد، في أي زمان ومكان، وبالتالي فإنه أبعد إمكانية تقسيم حقوق الإنسان وتجزئتها إلى حقوق أساسية وثانوية. فالأمن الإنساني يركز على الأجيال الثلاثة لحقوق الإنسان، وتتثمل هذه الأجيال في الجيل الأول الذي يشمل الحقوق المدنية والسياسية، والجيل الثاني الذي يشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والجيل الثالث الذي يشمل حقوق التضامن. ومن هنا فإن الأمن الإنساني يؤكد على أهمية الجيلين الأول والثاني لحقوق الإنسان، كما أنه أعطى حلولا لإشكالية الجيل الثالث – خاصة إشكالية مبدأ السيادة – عبر تأكيده على البعد الأخلاقي لحقوق الإنسان من حيث أنها حقوق جماعية تتوجه للإنسانية جمعاء، بمعنى أنها تتوجه بمحتواها لكل الإنسانية جمعاء، وليس فقط للفرد بذاته. كما أنها حقوق تشمل الحقوق الفردية، بمعنى أنها تدرج في محتواها حقوق الجيلين الأوّل و الثاني. إضافة إلى أنها حقوق تضامنية وجماعية، بمعنى أن التمتع ﺑﻬا يستدعي التعاون مع كل الفاعلين على الساحة الدولية والداخلية. وعليه فإن هذا المبدأ هو الذي يحمله مفهوم الأمن الإنساني والمقاربة الأمنية الإنسانية، حيث تضع هذه المقاربة الإنسان في قلب الدراسات الأمنية، وتعطيه الأولوية على السيادة الوطنية، وبذلك يقوي الأمن الإنساني حقوق الإنسان، إذ أنه لا يقضي فقط على الخلاف في الأولوية بين الأجيال الثلاثة لحقوق الإنسان، بل ينقص كذلك من تمادي السلطة في عدم احترامها وتهميشها لحقوق الإنسان باسم الأمن القومي، كما أنه يؤكد على جعل الإنسان في مركز كل السياسات المنتهجة، خاصة من خلال تأكيده على سياسات التنمية الإنسانية المستدامة، وعلى الحق في التنمية.

رابعا: الأمن الإنساني والقانون الدولي الإنساني

خصوصية القانون الدولي الإنساني

قبل الخوض في العلاقة بين الأمن الإنساني والقانون الدولي الإنساني، توضح الباحثة الفرق بين القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني. وترى أنّ نقطة الالتقاء بينهما هو الفرد الإنساني، فكلا القانونين يضعان الفرد في محور الاهتمام، فالقانون الدولي لحقوق الإنسان يسعى إلى حمايته في فترة السلم من تجاوزات الدولة والأفراد، بينما يسعى القانون الدولي الإنساني إلى الإبقاء على حقوقه الإنسانية، بضمان كفالتها في فترة التراعات المسلحة الداخلية والدولية. ويعرف القانون الدولي الإنساني بأنه مجموعة القواعد القانونية التي تستهدف حماية الأشخاص، والمصابين من جراء التراع المسلح، وذلك بهدف حماية الأشخاص الذين ليس لهم علاقة مباشرة بالعمليات العسكرية. ويتثمل مجال اهتمامه بكل ما هو غير عسكري أو لم يعد كذلك خلال التراعات المسلحة، وهو تعريف لا يحدد طبيعة هذا النزاع هل هو نزاع داخلي أم دولي، ولا ﺑما يسمح للمقاتلين باللجوء إليه، مركزا فقط على ما هو مدني وما هو عسكري. و يهدف بذلك هذا القانون إلى أنسنة التراعات مهما كانت طبيعتها، بضمان حماية المدنيين الذين يتواجدون في مواقع العنف المسلح، وبذلك فهو قانون خاص، تكمن خصوصيته في إهتمامه بحماية الفرد في التراعات المسلحة. ويتمثل محتوى القانون الدولي الإنساني في قانون لاهاي الذي يشمل على مجموعة من الاتفاقيات المتعلقة بالحرب، أهما اتفاقيات لاهاي الأولى لعام 1899 والاتفاقيات التي تلتها. ويشمل كذلك على قانون جنيف الذي يعتبر القانون الإنساني بالمعنى الأدق، والمتمثل في اتفاقية جنيف لعام 1864، واتفاقية جنيف الأولى والثانية لعام1929 ، واتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949، والبروتوكولين الإضافيين لعام 1977. وعليه نجد أن قانون لاهاي يضع قواعد تنظم السير في علاقات الدول في فترة الحرب، تتعلق باستخدام القوة، بينما اتفاقيات جنيف ﺗﻬتم بحماية الأشخاص من استعمال القوة نفسها. وقد ضمن القانون الدولي الإنساني مجموعة من الضمانات لضمان سلامة الفرد أثناء النزاعات المسلحة، وتعرف بـ “ميكانيزمات الحمایة” وهي القواعد التي تقر بمساعدة الشخص، بوقايته من الاعتداء أو سوء المعاملة أو الخطر، وإحباط عمليات النيل من سلامته، ثم تلبية حاجاته للأمن والدفاع عنه. وتنحصر هذه الآليات في ثلاث فئات؛ الأولى تحمي الفرد من عواقب الأعمال العدوانية التي تستهتدف السكان المدنيين، والثانية تحميه من تجاوزات الدول والأطراف المتحاربة، والثالثة تنص على ضرورة تقديم الخدمات للأشخاص الذين لا يشاركون في القتال وضرورة معالجة الجرحى والمرضى وحماية المنشآت الطبية وتقديم المساعدة الإنسانية. وبالتالي حدد القانون الدولي الجهات المسؤولة عن تنفيذ الحمایة لضحايا النزاعات المسلحة في الدول، والهيئات التابعة للمنظمات الدولية مثل اللجنة الدولية لتقصي الحقائق، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، إضافة إلى المنظمات الإنسانية مثل مؤسسات الهلال الأحمر والمنظمات غير الحكومية مثل منظمة أطباء بلا حدود. كما وضع القانون الدولي الإنساني مجموعة من العقوبات للتعامل مع الانتهاكات التي تقع على الأفراد أثناء الحروب والنزاعات، وتنحصر هذه العقوبات في نوعين هما العقوبات الجنائية ضد مرتكبي الجرائم  بحق الأسرى والمدنيين والعسكريين، والتعویض  عن الأضرار المقترفة ضد الأشخاص والمخالفة لقواعد القانون الدولي الإنساني.

السيادة والتدخل والأمن الإنساني

أثارت الباحثة في هذا الجزء إشكالية هامة حول علاقة الأمن الإنساني بالقانون الدولي الإنساني في ظل تعرض الفرد الإنساني للانتهاكات أثناء النزاعات المسلحة، وبالتالي تثير هذا التساؤل: هل يجوز لحماية الفرد الإنساني التدخل في الشؤون الداخلية للدول؟ بعبارة أخرى هل ينهي مفهوم الأمن الإنساني التضارب القائم بين مفهوم “السيادة” كمبدأ أساسي في العلاقات الدولية، وبين “التدخل الإنساني” كممارسة دولية؟ هنا نجد الباحثة تؤكد على أنّ مبدأ السيادة يرتبط بمبدأ عدم التدخل، الذي تم التأكيد عليه في ميثاق الأمم المتحدة والمواثيق والاتفاقيات ذات الصلة بحقوق الإنسان، إلا أن البعض يرى في التدخل لأغراض إنسانية “استثناء” عن قاعدة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. وفسرت الباحثة الأسس القانونية لمبدأ عدم التدخل، وعلاقته بحقوق الإنسان، وبمدى التزام الأمم المتحدة ومن خلالها الدول به حين تتعرض تلك الحقوق للإنتهاكات. وتشير الباحثة إلى أنه بدأ الحديث خلال العقود الأخيرة عن التدخل لأغراض إنسانية، فأمام عائق السيادة التي تتحجج بها الدول، سعى أنصار التدخل لتجاوز الحواجز القانونية لمبدأ التدخل بوضع ما سمي بـ “التدخل الإنساني” الهادف لإجبار الدولة على تقديم المعالجة للأفراد المقيمين على إقليمها، والمتوافقة مع المتطلبات الإنسانية. وبعبارة أخرى يشدد أنصار التدخل الإنساني على أنه يجب أن يسمو على الاعتبارات القانونية، وخاصة منها مبدأ عدم التدخل وعدم اللجوء للقوة، كما يطالبون بوجوب “حق التدخل” لضمان الوصول إلى الضحايا، وبأن يكون التدخل الإنساني “واجب” كونه مرتبط بإحترام الحقوق الأساسية للفرد الإنساني كحقه في الحياة والصحة. من هذا المنطلق سعى أنصار التدخل إلى تفسير الأسس القانونية للتدخل الإنساني عبر تقديم تفسير جدید لنصوص ميثاق الأمم المتحدة خاصة في المادتين 55، و المادة 56، وقدمو شرح جديد للمادة 2، والمادة 4 من الميثاق. وخلصو إلى أن الحفاظ على الأمن يرتبط بإحترام حقوق الإنسان، وبالتالي يرون بأن أي تدخل يهدف لإعادة الحقوق المنتهكة للإنسان يصبح أمرا مباحا، وحجتهم في ذلك التدخل الذي قامت به الأمم المتحدة في الصومال والبوسنة والذين يعود سببهما إلى تهديدهما للسلم والأمن الدوليين وللإنسانية، وكذلك دعوة الأمم المتحدة للحكومة العراقية في عام 1991 للسماح للمنظمات الإنسانية بتقديم المساعدات الإنسانية للأكراد، كل ذلك جعل أنصار التدخل الإنساني يؤكدون على أنه بات وسيلة ضرورية  لتأسيس مجتمع دولي مسالم.

ورغم كل الأسس التي يبني عليها المدافعون لتقنين حق التدخل الإنساني إلا أن هذا لا يقضي بجواز هذا الحق، نظرا للتأكيد الدائم للأمم المتحدة على مبدأ السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. لأن القول بإمكانية التدخل لأهداف إنسانية يعني ضرب عرض الحائط مبدأ المساواة والسيادة بين الدول، واستعمالها كذريعة لأهداف سياسية. ومن هنا نجد أن الباحثة تؤكد على أن أنصار التدخل الإنساني وقعوا في فخ أو مأزق تفسير المواثيق الدولية لإعطاء الصفة القانونية للتدخل الإنساني، كون أن ميثاق الأمم المتحدة يؤكد على سيادة الدول ولا يدعو لاستعمال القوة  في حالة انتهاك هذه الحقوق من طرف الدول، بل إن مجلس الأمن هو صاحب الاختصاص الحصري في تكييف ما يعرض عليه من قضايا وتحديد ما إذا كانت تشكل ﺗﻬديدا للسلم الدولي أو الإخلال به.  على أنه ونظراً لضعف الحجج التي قدمها أنصار التدخل لتبرير التدخل الإنساني، لا يزال التناقض قائما بين مبدأ السيادة والتدخل، لذلك دفعت كل هذه الإشكاليات للبحث عن بدائل لمسأل حقوق الإنسان، وبالتالي بدأ الحديث عن الأمن الإنساني  وعن كيفية تقديمه لحل إشكالية السيادة وعلاقتها بحقوق الإنسان. ولكن التساؤل الذي يطرح نفسه هو: كيف يتلاقى التدخل الإنساني مع الأمن الإنساني؟

تشير الباحثة إلى أنه تولدت فكرة التدخل الإنساني من جراء العراقيل التي تواجها المنظمات الإنسانية من وصولها إلى الضحايا، ومن ثم ظهر مبدأ التدخل الإنساني، إلا أن الإشكاليات التي واجهت المفهوم دعت إلى ضرورة إيجاد مفاهيم اخرى لحل هذا الإشكال، لذلك بدأ الحديث عن ما يعرف بـ “الحق في المساعدة الإنسانية” خلال الكوارث الطبيعية والاصطناعية. وبما أنه اتضح عدم وجود ما يدل على أنّ ميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة يدعمان مسألة التدخل الإنساني، أخذ تبرير التدخلات منحى جديد يتمثل في “حق المساعدة الإنسانية” بدلا من التدخل الإنساني. ويهدف هذا الحق إلى تجاوز مبدأ عدم التدخل دون أن يعيد النظر في مبدأ السيادة، فتم بذلك استبدال كلمة “تدخل” بكلمة “مساعدة”. لذا انتقل الحديث من  التدخل إلى المساعدة، انطلاقا من حقوق الفرد وليس من القانون الدولي الإنساني. ومن خلال حق المساعدة الإنسانية يؤكد الأمن الإنساني على ضرورة حماية الفرد الإنساني من الحاجة والخوف، وفي أي مكان يتواجد فيه، وذلك انطلاقا من فكرة المواطنة العالمية. فالأمن الإنساني بهذا التصور يرفع  الإنسان إلى الدرجة العليا ويجعل من الحماية التبرير الذي من خلاله يعاد النظر في الاعتبارات التقليدية الممنوحة للدولة. من هذا المنطلق نجد أن ضرورة نجدة السكان المتواجدين في الخطر تفرض  تقديم المساعدة التي تخترق القواعد القانونية التقليدية، وبالتالي يحب على السيادة أن تنحني باسم الأخلاق والطوارئ الإنسانية أمام ضرورة حماية الأفراد. وفي هذا الإطار أدى تزايد التراعات الداخلية مع صعوبة إدارﺗﻬا، إلى تزايد الحديث عن حق تقديم والحصول على المساعدة الإنسانية، تعزيزا لمفهوم الأمن الإنساني. فقد أصبحت السيادة مسئولية وليست فقط مجرد صلاحية الدولة المطلقة في إدارة شؤوﻧﻬا الداخلية والخارجية، وبذلك فإن السيادة تعني مسئولية الحكومات على ضمان أمن مواطنيها وتمتعهم بحقوقهم التي تضمنها الاتفاقيات والمعاهدات الدولية. فإن ثبت عجز الدولة عن ضمان أمن مواطنيها أو كانت هي مصدر التهديد نفسه، فيحق للغير القيام بتلك المهام و حتى محاسبة مسئوليها دون أن يعد ذلك  تدخلا في شئونها.  وبالتالي فإن الأمن الإنساني يعطي تعريفا قيميا للسيادة كمسؤولية، وكقاعدة للتمكين من إعطاء المسؤولية للحكومات والحماية للشعوب، بمعنى أن الأمن الإنساني يرتكز على فكرة عولمة الأمن مما يسمح لأي فاعل دولي من التدخل لأغراض إنسانية. من هذا المنطلق فإن مقاربة الأمن الإنساني تدعو إلى المحافظة على كرامة الإنسان في أبعاده الجسمية والعقلية، والقضاء على عوامل العنف أو التقليل من حدﺗﻬا، واتباع كافة الوسائل، وتدعو لضرورة التجديد في المؤسسات الموكل إليها مهمة المحافظة على الأمن والسلم الدوليين. كما ترتكز المقاربة الأمنية الإنسانية على مقاربة أنسنة الأمن و التي تعني حماية الأشخاص والجماعات من العنف وتحريرهم من الخوف، وكذلك تدعو لضرورة إحداث التنمية الإنسانية للوقاية من النزاعات. وبالتالي تعزز مقاربة الأمن الإنساني أمن الأفراد، وتجعله  يقوى على حساب أمن الدول، لأن أمن الدول هو في أمن مواطنيها.

خلاصة الدراسة

توصلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج أهمها تمثل في أن ﻧﻬاية الحرب الباردة وتزايد قوة العولمة أحدثت دفعًا في مناهج تصور الأمن، وفي الوحدة الواجب اتخاذها كمرجعية للدراسات الأمنية، واحتلت المرجعية القائمة على أمن الفرد الإنساني وضرورة حمايته موقع المرجعية القائمة على أمن الدولة. كما ساهم مفهوم الأمن الإنساني في بلورة تصور جديد بشأن حقوق الإنسان سواء في أوقات السلم أو الحروب والنزاعات المسلحة. وبالتالي خلق مفهوم الأمن الإنساني تصورا جديدا للأمن، بحيث لايمكن تحقيق الأمن سواء على مستوى الفرد نفسه، أو على مستوى الدولة، أو على المستوى الدولي دون تحقيق أمن الفرد أولا، لكونه من يعيش التهديدات في حياته اليومية.

1 thoughts on “تلخيص رسالة ماجستير بعنوان: الأمن الإنساني، مدخل جديد في الدراسات الأمنية

  1. يقوم مفهوم “الأمن الإنسانيّ” على فكرة الأمن المستدام الذي يسعى بالدّرجة الأولى إلى توفير حمايةٍ لصالح الشعوب وليس لصالح أقاليم الدّول، فالأمن الإنسانيّ يرتبط قبل كلّ شيءٍ بإشباع الحاجات الأوّليّة للأفراد ويتجاوز الأولويّة الممنوحة من طرف الدول لإمكانيّاتها الدفاعيّة على حساب أمن أفرادها، وقادت هذه الفكرة إلى تحوّلاتٍ جذريةٍ في صياغة السياسات العالميّة لأنّها تقتضي إعطاء الأسبقيّة لحاجات أمن الأفراد قبل الدفاع عن مصالح الدّولة
    .

أضف تعليق